== نزول القرآن وجمعه في مصحف واحد ==
يتفق علماء المسلمين على أن القرآن لم ينزل دفعة واحدة، وإنما نزل على فترات متقطعة، على امتداد أكثر من عشرين عامًا. ويعبرون عن هذا بقولهم "نزل القرآن مُنَجَّمًا"، أي "مُفرَّقا".
وقد ذكر هؤلاء العلماء لنزول القرآن بشكل متفرّق عدة حكم منها:
# تثبيت قلب النبي محمد لمواجهة ما يلاقيه من قومه، ذكر [[القرآن]]: "كذلك لنثبِّت به فؤادك ورتلناه ترتيلًا" ([[سورة الفرقان]]:32) وفي قول [[القرآن]]: "ورتلناه ترتيلًا" إشارة إلى أن تنزيله شيئاً فشيئًا ليتيسر الحفظ والفهم والعمل بمقتضاه.
# الرد على الشبهات التي يختلقها المشركون ودحض حججهم أولاً بأول: "ولا يأتونك بمثلٍ إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرًا" (الفرقان:33)
# تيسير حفظه وفهمه على النبي محمد وعلى أصحابه: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا }الإسراء 106.
# التدرج بالصحابة والأمة آنذاك في تطبيق أحكام القرآن، فليس من السهل على الإنسان التخلي عما اعتاده من عادات وتقاليد مخالفة للقيم والعادات الإسلامية مثل شرب الخمر.
# كان ينزل حسب الحاجة أي ينزل على حسب أسئلة السائلين .
أما اﻟ'''مقدار''' الذي كان ينزل من القرآن على النبي محمد فيظهر من الأحاديث النبوية أنه كان ينزل على حسب الحاجة. أما بداية الوحي، فيعتقد المسلمون أنه بداية [[سورة العلق]]: {{قرآن|اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}}. وذلك في [[غار حراء]] حيث كان النبي يتعبد ويختلي بنفسه.
وقد كان هذا في السابع عشر من رمضان، قال [[ابن كثير]] في كتابه البداية والنهاية "كان ابتداء الوحي إلى رسول الله يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان وقيل من الرابع والعشرين". وقد اختلف بأي يوم بالتحديد بدأ نزول الوحي لكنه متفق على أنه في أواخر [[رمضان]].
ومن عقيدة المسلم وإيمانه بالقرآن أن يؤمن أن الملَك [[جبريل]] نزل بألفاظ القرآن كلها وأن القرآن كله هو كلام الله ولا دخل لجبريل ولا للرسول محمد فيها ولا في ترتيبها بل هي كما في الآية: {{قرآن|كتاب أُحكمت آياته ثم فُصِّلت من لدن حكيم خبير}} (هود:1)
[[ملف:AndalusQuran.JPG|يسار|تصغير|280بك|نسخة أندلسية من القرآن تعود للقرن 12 الميلادي.]]
=== حفظ القرآن في عهد النبي محمد ===
إن من مميزات الأمة المسلمة أن كتابها قد حفظ عن ظهر قلب على خلاف بقية الأمم السابقة. وقد كان في ذلك سببًا من أسباب حفظ القرآن من التحريف والتغيير على مر العصور، حسب رأي كثير من المسلمين. وقد كان النبي محمد كثيرًا ما يحث [[الصحابة]] على حفظ القرآن حتى أنه كان يتعاهد كل من يدخل الإسلام ويدفعه إلى أحد المسلمين يعلمه القرآن. يُروى عن عبادة بن الصامت قال: "كان رسول الله يُشغَل، فإذا قَدِمَ رجل مهاجر على رسول الله دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن" رواه أحمد . ولقد حفظ عدد كبير من الصحابة القرآن منهم: الخلفاء الراشدين، طلحة، سعد، ابن مسعود وغيرهم من الصحابة.
ثم إن النبي لم يكتف بحفظ الصحابة للقرآن عن ظهر قلب، بل أمرهم أن يكتبوه ويدونوه لحمايته من الضياع والتغيير. وبذلك تحقق حفظ القرآن في الصدور وفي السطور. وقد ورد في الحديث أن النبي محمدًا أمر في البداية ألا يكتب عنه الصحابة شيئا إلا القرآن حتى لا يختلط بغيره من الكلام: "لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه" (رواه مسلم). قال النووي تعليقًا على هذا الحديث: "وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن، فلما أمن ذلك أذن في كتابته".
وكان صحابة النبي محمد يستعملون في كتابة القرآن ما تيسر لهم وما توفر في بيئتهم من أدوات لذلك، فكانوا يستعملون الجلود والعظام والألواح والحجارة ونحوها، كأدوات للكتابة. وبقي القرآن مكتوبًا على هذه الأشياء محفوظًا عند النبي محمد وأصحابه، ولم يجمع في مصحف في عهده.
أما عن حكمة عدم جمعه في عهد النبي طبقًا للشريعة الإسلامية، فقد قال العلماء في ذلك:
# أنه لم يوجد داع من جمعه في مصحف واحد كما على عهد الخلافة بعد وفاة النبي.
# أن القرآن نزل مفرقًا على فترات مختلفة، ولم ينزل بترتيب المصحف، ثم إن بعض الآيات نزلت ناسخة لما قبلها. ولو جمع القرآن على عهد النبي في مصحف واحد لكان وجب تغير المصاحف كلها كلما نزلت آية أو سورة.
===جمع المصحف في عهد أبي بكر الصديق===
[[ملف:Quran cover.jpg|تصغير|250بك|يسار]]
أما جمع القرآن في مصحف واحد فقد تمت للمرة الأولى في عهد [[أبو بكر|أبى بكر]] الصديق بعد أن توفي النبي محمد. فبعد غزوة اليمامة التي قتل فيها الكثير من الصحابة وكان معظمهم من حفاظ القرآن، جاء [[عمر بن الخطاب]] إلى أبي بكر الصديق وطلب منه أن يجمع القرآن في مكان واحد حتى لا يضيع بعد وفاة الحفاظ.
فكلف أبو بكر [[زيد بن ثابت]] لما رأى في زيد من الصفات تؤهله لمثل هذه الوظيفة ومنها كونه من حفاظ القرآن ومن كتابه على عهد النبي محمد وقد شهد زيد مع النبي العرضة الأخيرة للقرآن في ختام حياته. ثم إن زيداً قد عرف بذكائه وشدة ورعه وأمانته وكمال خلقه.
روى البخاري في صحيحه عن زيد أنه قال: أرسل إليَّ أبى بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ - أي اشتد وكثر - يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، إلا إن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن، قال أبو بكر: قلت لعمر كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله ؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله صدري، ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله، فتَتَبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله النبي ؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعُسب وصدور الرجال…وكانت الصحف التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر. رواه [[البخاري]].
واتفق العلماء أن الصحابة كان لديهم مصاحف كتبوا فيها القرآن أو بعضه، قبل جمع أبي بكر لها، إلا أن هذه المصاحف كانت جهودًا فردية لم تنل ما ناله مصحف الصدٌيق من دقة البحث والتحري وبلوغه حد التواتر والإجماع من الصحابة.
ثم بدأ زيد بجمع القرآن من الرقاع واللخاف وا
يتفق علماء المسلمين على أن القرآن لم ينزل دفعة واحدة، وإنما نزل على فترات متقطعة، على امتداد أكثر من عشرين عامًا. ويعبرون عن هذا بقولهم "نزل القرآن مُنَجَّمًا"، أي "مُفرَّقا".
وقد ذكر هؤلاء العلماء لنزول القرآن بشكل متفرّق عدة حكم منها:
# تثبيت قلب النبي محمد لمواجهة ما يلاقيه من قومه، ذكر [[القرآن]]: "كذلك لنثبِّت به فؤادك ورتلناه ترتيلًا" ([[سورة الفرقان]]:32) وفي قول [[القرآن]]: "ورتلناه ترتيلًا" إشارة إلى أن تنزيله شيئاً فشيئًا ليتيسر الحفظ والفهم والعمل بمقتضاه.
# الرد على الشبهات التي يختلقها المشركون ودحض حججهم أولاً بأول: "ولا يأتونك بمثلٍ إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرًا" (الفرقان:33)
# تيسير حفظه وفهمه على النبي محمد وعلى أصحابه: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا }الإسراء 106.
# التدرج بالصحابة والأمة آنذاك في تطبيق أحكام القرآن، فليس من السهل على الإنسان التخلي عما اعتاده من عادات وتقاليد مخالفة للقيم والعادات الإسلامية مثل شرب الخمر.
# كان ينزل حسب الحاجة أي ينزل على حسب أسئلة السائلين .
أما اﻟ'''مقدار''' الذي كان ينزل من القرآن على النبي محمد فيظهر من الأحاديث النبوية أنه كان ينزل على حسب الحاجة. أما بداية الوحي، فيعتقد المسلمون أنه بداية [[سورة العلق]]: {{قرآن|اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}}. وذلك في [[غار حراء]] حيث كان النبي يتعبد ويختلي بنفسه.
وقد كان هذا في السابع عشر من رمضان، قال [[ابن كثير]] في كتابه البداية والنهاية "كان ابتداء الوحي إلى رسول الله يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان وقيل من الرابع والعشرين". وقد اختلف بأي يوم بالتحديد بدأ نزول الوحي لكنه متفق على أنه في أواخر [[رمضان]].
ومن عقيدة المسلم وإيمانه بالقرآن أن يؤمن أن الملَك [[جبريل]] نزل بألفاظ القرآن كلها وأن القرآن كله هو كلام الله ولا دخل لجبريل ولا للرسول محمد فيها ولا في ترتيبها بل هي كما في الآية: {{قرآن|كتاب أُحكمت آياته ثم فُصِّلت من لدن حكيم خبير}} (هود:1)
[[ملف:AndalusQuran.JPG|يسار|تصغير|280بك|نسخة أندلسية من القرآن تعود للقرن 12 الميلادي.]]
=== حفظ القرآن في عهد النبي محمد ===
إن من مميزات الأمة المسلمة أن كتابها قد حفظ عن ظهر قلب على خلاف بقية الأمم السابقة. وقد كان في ذلك سببًا من أسباب حفظ القرآن من التحريف والتغيير على مر العصور، حسب رأي كثير من المسلمين. وقد كان النبي محمد كثيرًا ما يحث [[الصحابة]] على حفظ القرآن حتى أنه كان يتعاهد كل من يدخل الإسلام ويدفعه إلى أحد المسلمين يعلمه القرآن. يُروى عن عبادة بن الصامت قال: "كان رسول الله يُشغَل، فإذا قَدِمَ رجل مهاجر على رسول الله دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن" رواه أحمد . ولقد حفظ عدد كبير من الصحابة القرآن منهم: الخلفاء الراشدين، طلحة، سعد، ابن مسعود وغيرهم من الصحابة.
ثم إن النبي لم يكتف بحفظ الصحابة للقرآن عن ظهر قلب، بل أمرهم أن يكتبوه ويدونوه لحمايته من الضياع والتغيير. وبذلك تحقق حفظ القرآن في الصدور وفي السطور. وقد ورد في الحديث أن النبي محمدًا أمر في البداية ألا يكتب عنه الصحابة شيئا إلا القرآن حتى لا يختلط بغيره من الكلام: "لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه" (رواه مسلم). قال النووي تعليقًا على هذا الحديث: "وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن، فلما أمن ذلك أذن في كتابته".
وكان صحابة النبي محمد يستعملون في كتابة القرآن ما تيسر لهم وما توفر في بيئتهم من أدوات لذلك، فكانوا يستعملون الجلود والعظام والألواح والحجارة ونحوها، كأدوات للكتابة. وبقي القرآن مكتوبًا على هذه الأشياء محفوظًا عند النبي محمد وأصحابه، ولم يجمع في مصحف في عهده.
أما عن حكمة عدم جمعه في عهد النبي طبقًا للشريعة الإسلامية، فقد قال العلماء في ذلك:
# أنه لم يوجد داع من جمعه في مصحف واحد كما على عهد الخلافة بعد وفاة النبي.
# أن القرآن نزل مفرقًا على فترات مختلفة، ولم ينزل بترتيب المصحف، ثم إن بعض الآيات نزلت ناسخة لما قبلها. ولو جمع القرآن على عهد النبي في مصحف واحد لكان وجب تغير المصاحف كلها كلما نزلت آية أو سورة.
===جمع المصحف في عهد أبي بكر الصديق===
[[ملف:Quran cover.jpg|تصغير|250بك|يسار]]
أما جمع القرآن في مصحف واحد فقد تمت للمرة الأولى في عهد [[أبو بكر|أبى بكر]] الصديق بعد أن توفي النبي محمد. فبعد غزوة اليمامة التي قتل فيها الكثير من الصحابة وكان معظمهم من حفاظ القرآن، جاء [[عمر بن الخطاب]] إلى أبي بكر الصديق وطلب منه أن يجمع القرآن في مكان واحد حتى لا يضيع بعد وفاة الحفاظ.
فكلف أبو بكر [[زيد بن ثابت]] لما رأى في زيد من الصفات تؤهله لمثل هذه الوظيفة ومنها كونه من حفاظ القرآن ومن كتابه على عهد النبي محمد وقد شهد زيد مع النبي العرضة الأخيرة للقرآن في ختام حياته. ثم إن زيداً قد عرف بذكائه وشدة ورعه وأمانته وكمال خلقه.
روى البخاري في صحيحه عن زيد أنه قال: أرسل إليَّ أبى بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ - أي اشتد وكثر - يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، إلا إن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن، قال أبو بكر: قلت لعمر كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله ؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله صدري، ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله، فتَتَبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله النبي ؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعُسب وصدور الرجال…وكانت الصحف التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر. رواه [[البخاري]].
واتفق العلماء أن الصحابة كان لديهم مصاحف كتبوا فيها القرآن أو بعضه، قبل جمع أبي بكر لها، إلا أن هذه المصاحف كانت جهودًا فردية لم تنل ما ناله مصحف الصدٌيق من دقة البحث والتحري وبلوغه حد التواتر والإجماع من الصحابة.
ثم بدأ زيد بجمع القرآن من الرقاع واللخاف وا